2010/09/07

**سرية القراء. بئر معونة

بئر معونة

وقعة في السنة الرابعة للهجرة

وملخصها ‏:‏ أن أبا براء عامر بن مالك المدعو بمُلاَعِب الأسِنَّة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، فقال ‏:‏ يا رسول الله، لو بعثت أصحابك إلى أهل نَجْد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم، فقال‏:‏ ‏(‏إني أخاف عليهم أهل نجد‏)‏، فقال أبو بََرَاء ‏:‏ أنا جَارٌ لهم، فبعث معه أربعين رجلاً ـ في قول ابن إسحاق، وفي الصحيح أنهم كانوا سبعين، والذي في الصحيح هو الصحيح ـ وأمر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة الملقب بالمُعْنِقَ لِيمُوت ، وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم، فساروا يحتطبون بالنهار، يشترون به الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون القرآن ويصلون بالليل، حتى نزلوا بئر معونة ـ وهي أرض بين بني عامر وحَرَّة بني سُلَيْم ـ فنزلوا هناك، ثم بعثوا حرام بن مِلْحَان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطُّفَيْل، فلم ينظر فيه، وأمر رجلاً فطعنه بالحربة من خلفه، فلما أنفذها فيه ورأى الدم، قال حرام ‏:‏ الله أكبر، فُزْتُ ورب الكعبة‏.‏

ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سليم، فأجابته عُصَيَّة ورِعْل وذَكَوان، فجاءوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد بن النجار، فإنه ارْتُثَّ من بين القتلي، فعاش حتى قتل يوم الخندق‏.‏

وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر في سرح المسلمين فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذر، فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه، وأسر عمرو بن أمية الضمري، فلما أخبر أنه من مُضَر جَزَّ عامر ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت على أمه‏.‏

ورجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاملاً معه أنباء المصاب الفادح، مصرع سبعين من أفاضل المسلمين، تذكر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد ؛ إلا أن هؤلاء ذهبوا في قتال واضح ؛ وأولئك ذهبوا في غدرة شائنة‏.‏

ولما كان عمرو بن أمية في الطريق بالقَرْقَرَة من صدر قناة، نزل في ظل شجرة، وجاء رجلان من بني كلاب فنزلا معه، فلما ناما فتك بهما عمرو، وهو يري أنه قد أصاب ثأر أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل، فقال ‏:‏‏(‏لقد قتلت قتيلين لأدِيَنَّهما‏)‏، وانشغل بجمع ديتهما من المسلمين ومن حلفائهم اليهود ، وهذا الذي صار سبباً لغزوة بني النضير، كما سيذكر‏.‏

‏.‏

وفي لفظ أنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا فلما جاءه الخبر من السماء قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن إخوانكم قد لقوا المشركين، وقتلوهم، وإنهم قالوا: ربنا بلغ قومنا أنا قد لقينا ربنا ورضينا عنه ورضي عنا ربنا. وفي لفظ: فرضي عنا وأرضانا فأنا رسولهم إليكم إنهم قد رضوا عنه ورضي عنهم.

وعن أنس بن مالك، أنه قال: ما رأيت رسول الله وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة، ومكث يدعو عليهم ثلاثين صباحا.

وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم لأجل هذه المأساة، ولأجل مأساة الرجيع اللتين وقعتا خلال أيام معدودة ، تألما شديداً، وتغلب عليه الحزن والقلق ، حتى دعا على هؤلاء الأقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه‏.‏ ففي الصحيح عن أنس قال ‏:‏ دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحاً، يدعو في صلاة الفجر على رِعْل وذَكْوَان ولَحْيَان وعُصَية، ويقول‏:‏‏(‏عُصَية عَصَتْ الله ورسوله‏)‏، فأنزل الله تعالى على نبيه قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد‏:‏ ‏(‏بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه‏)‏ فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قُنُوتَه

أقول: وفي رواية الشيخين قنت شهرا أي متتابعا يدعو على قاتلي أصحاب بئر معونة، أي بعد الاعتدال في الصلوات الخمس من الركعة الأخيرة وحينئذ يكون المراد بالصباح اليوم وليلته.

وذكر بعض أصحابنا أنه: «كان يرفع يديه في الدعاء المذكور وقاس عليه رفعهما في قنوت الصبح» وروى الحاكم أنه كان يرفع يديه في قنوت الصبح.

واستدل أصحابنا على استحباب القنوت للنازلة في سائر المكتوبات بقنوته ودعائه على قاتلي أصحاب بئر معونة.

وفي بعض السير: فدعا النبي شهرا عليهم في صلاة الغداة. وفي لفظ يدعو في الصبح، وذلك بدء القنوت، وما كان يقنت رواه الشيخان.

وقد سئل الجلال السيوطي هل دعاؤه على من قتل أصحابه كان عقب فراغه من القنوت المشهور أو كان الدعاء هو قنوته؟ فأجاب بأنه لم يقف على شيء من الأحاديث يدل على أنه جمع بين القنوت والدعاء، قال: بل ظاهر الأحاديث أنه اقتصر على الدعاء، أي فيكون قنوته هو الدعاء، وهو الموافق لقول أصحابنا. ويستحب القنوت في اعتدال آخرة صبح مطلقا وآخر سائر المكتوبات أي باقيها للنازلة وهو: اللهم اهدنا الخ في أن أل في القنوت للعهد والله أعلم.

وفي رواية أنه يدعو على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين، أي بئر معونة والرجيع دعاء واحدا، لأنه جاءه خبرهما في وقت واحد كما تقدم، وأدمج البخاري بئر معونة مع بعث الرجيع لقربهما في الزمن، أي ففيه مكث يدعو على أحياء من العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، أي وهو يقتضي أنهما شيء واحد وليس كذلك، وقد علمت أن بني لحيان قتلوا أصحاب الرجيع ومن قبلهم قتلوا أصحاب بئر معونة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق