2010/09/15

**النجاشي

النجاشي
إنه النجاشي حاكم الحبشة وملكها، واسمه أصحمة -رضي الله عنه- وللنجاشي قصة عجيبة، ففي إحدى الليالي قام بعض المتآمرين بقتل والده ملك الحبشة، واستولوا على عرشه، وجعلوا على الحبشة ملكًا آخر، لكنهم لم يهنأوا بفعلتهم، فقد ظل ابن الملك المقتول يؤرقهم، فخافوا أن ينتقم منهم عندما يكبر، فقرروا أن يبيعوه في سوق العبيد، وبالفعل نفذوا مؤامرتهم، وباعوا ذلك الغلام لأحد تجار الرقيق.
وفي إحدى الليالي خرج الملك الغاصب فأصابته صاعقة من السماء فوقع قتيلاً، فسادت الفوضى في بلاد الحبشة وبحثوا عمن يحكمها، وأخيرًا هداهم تفكيرهم إلى أن يعيدوا ابن الملك الذي باعوه في سوق الرقيق لأنه أحق الناس بالملك، وبعد بحث طويل وجدوه عند أحد التجار، فقالوا له: رد إلينا غلامنا ونعطيك مالك. فرده إليهم.
فقاموا على الفور بإعادته وأجلسوه على العرش، وألبسوه تاج الملك، لكنهم أخلفوا عهدهم مع التاجر ولم يعطوه ماله، فقال التاجر إذن أدخل إلى الملك، وبالفعل دخل إليه وأخبره بما كان، فقال لهم الملك الجديد: إما أن تعطوا التاجر حقه، وإما أن أرجع إليه، فسارعوا بأداء المال للتاجر. [ابن هشام].
أول هجرة في الاسلام
بعد كل الايذاء الذي تعرض له الصحابة في قريش رأف النبي -صلى الله عليه و سلم- بحالهم فقرر أول هجرة في الاسلام فاختار أن يذهب الصحابة إلى أرض الحبشة.. لسببين أولا لأن الحبشة أرض لا تستطيع قريش أن تهاجمها و تانيا في الحبشة ملك عادل قال عنه الرسول عليه صلوات الله و سلامه: " إن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد ". وفي ذلك دلالة على دراسة النبي صلى الله عليه وسلم للمكان وشدة تنظيمه وحكمته!! فاختار النبي صلى الله عليه و سلم من بين المهاجرين ابنته رقية وعتمان بن عفان و جعفر بن أبي طالب و عبد الرحمن بن عوف و أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، جملة من أسياد القبيلة وأغنياء قريش وذلك لحكم :

وعند خروج المهاجرين إلى الحبشة نزلت سورة مريم سبحان مدبر الكون كلنا يعلم مدى روعة هذه السورة وجمال آياتها وعم تتحدث سورة مريم من قصص سيدتنا مريم و ابنها سيدنا عيسى ويحيى وزكريا (عليهم أفضل الصلاة والسلام)... والحبشة بلد مسيحي !! فلابد أن يكون الصحابة المهاجرين على دراية تامة بدين البلد الذي سيلجأون إليه حتى يعرفوا كيف التعامل مع أهل هذا البد وكيفية الانسجام معهم بسهولة و تنزل كذلك سورة الكهف ليروا أنواع الهجرة وتعلمهم الصبر على الإصلاح في الأرض...

وتهتز قريش بهذا، فقررت أن تستغل صداقة عمرو بن العاص للنجاشي للضغط عليه بطرد المهاجرين.
فذهب عمرو بن العاص ومعه عبد الله بن أبي ربيعة وأخذوا معهم هدايا لحاشية النجاشي و بعد أن أعطوا الحاشية هداياهم و أقنعوهم بالتعاون معهم.. دخلوا على النجاشي، فقال عمرو بن العاص : " إنهم غِلمان سفهاء تركوا آبائهم و أمهاتهم يبكون و طلبوا مني ردهم إليهم".
فتقول الحاشية: "صدق
فيقول النجاشي: " أسمعهم" !! صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم، صدق حين قال إن فيها ملك لا يظلم عنده أحد!! فأرسل إليهم النجاشي وجاءوا الملك و ما أن دخلوا وجدوا عبد الله بن أبي ربيعة و عمرو بن العاص عنده، فسألهم النجاشي لماذا أتوا؟ فتقدم جعفر بن أبي طالب وانظروا كيف كان كلامه في غاية الإيجاز والوضوح، قال: " أيها الملك كنا قوم أهل جاهلية نعبد الاصنام نأكل الميتة نقطع الارحام ويأكل القوي منا الضعيف وكنا على ذلك، حتى جاء إلينا رجل منا نعرف نسبه و صدقه و أمانته فأمرنا بصدق الحديث و أداء الأمانة و صلة الأرحام و حسن الجوار وإيتاء مال اليتامى، فعدى علينا قومنا فقال لنا نبينا أخرجوا الى أرض الحبشة فإن بها ملك لا يظلم عنده أحد، فخرجنا إلى أرضك و اخترناك على من سواك و نرجو أن لا نظلم عندك " ثم قرأ سيدنا جعفر على النجاشي سورة مريم فبكى النجاشي و قال: " و الله إن الذي قلت و الذي جاء به المسيح ليخرج من مشكاة واحدة اذهبوا فوالله لا أسلمكم أبدا و أنت يا عمرو انطلق و الله لا أسلمهم لكم أبدا "
لكن عمرو بن العاص لم يهدأ له بال و رجع في اليوم التالي للنجاشي فقال له :"إنهم يقولون على المسيح أمرا عظيما" فقال لحاشيته: "أعدوهم إلي" فلما جاءوا تقدم ثانية جعفر فسأله النجاشي:" ماذا تقولون عن المسيح" فأجاب جعفر:" نقول أنه عبد الله و رسوله و روحه و كلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول". فقام النجاشي و رسم على الارض خطا وقال: " والله ما خرج المسيح عن هذا اذهبوا لقد آمنتم، لأترك جبل من ذهب أحب إلي على أن أفرط في واحد منكم "

ففي وقت جلوس الصحابة في الحبشة ارتأوا أن لا يكونوا عالة على بلد الحبشة فقامت أم سلمة وهي متخصصة في المصنوعات الجلدية وعلمت الصحابيات و بدأوا ببيع منتجاتهم إلى الحبشة فأحبهم أهلها حبا شديدا.

وكان الملك النجاشي يحب الصحابة و يحميهم لدرجة أنه في وقت قد وقع في الحبشة انقلابا على الملك فأعطاهم سفنا يلجأون إليها فانتصر النجاشي و بقي المسلمون في أمان.

كان المسلمون في قريش لايزالون يتعرضون للإيذاء ففي يوم وقف الرسول الكريم -صلى الله عليه و سلم- يقرأ سورة النجم بصوت عال "فبأي آلاء ربك تتمارى، هذا نذير من النذر الأولى، أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة" فلما وصل إلى "أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون، وأنتم سامدون، فاسجدوا لله واعبدوا." لم يتمالك رجال قريش أنفسهم و خروا سجدا لله تعالى (عظمة القرآن !!) فانطلقت إشاعة بإسلام قريش وصلت إلى الحبشة فعاد ربع المهاجرين و منهم عثمان بن مظعون فتعرضوا إلى أشد أنواع التعذيب و الإيذاء إلا عثمان بن مظعون فقد أعطاه الوليد بن المغيرة جواره وحمايته فلم يستطع أحد إيذاءه ولكن عثمان لم يحتمل رؤية إخوته وأصحابه يتعذبون وهو محمي، فذهب إلى الوليد وقال له:" لقد رددت عليك جوارك" فقال له الوليد: "هل آذاك أحد؟". قال: "لا، ولكني وجدت جوارا أحسن من جوارك". قال:" جوار من ؟" قال:" جوار ربي".

وظل المسلمون في الحبشة مدة 15 سنة بعد أن هاجر النبي -عليه الصلاة و السلام- إلى المدينة وذلك لحكمة منه حتى تبقى للمسلمين قاعدة أخرى احتياطا وأسلم النجاشي ومات بعد ذهاب الصحابة مباشرة من الحبشة .. وكأن الله جعله حماية للصحابة المهاجرين رضوان الله عليهم ولما مات قام النبي وأصحابه وصلوا عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق